د. أحمد يعقوب المجدوبة
لا يختلف اثنان على أن الحراك الذي تشهده العديد من مدن المملكة، بما في ذلك حراك الدوار الرابع، هو – من حيث المبدأ – تطور إيجابي في الحياة السياسة الأردنية.
ومن هنا فلا بد من استثماره من قبل جميع المعنيين، بحيث تتمخض عنه المخرجات المرجوة التي تصب في صالح الوطن والمواطن في نهاية المطاف.
ومن الخطأ أن يُنظر إليه على أنه حالة سلبية يجب أن تتوقف أو صوت نشاز يجب اسكاته، كما يظن البعض، بل على أنه ضرورةٌ وحدث بنّاء يقف وراءهما العديد من الظروف والمسوغات المنطقية.
لضرورة وجود الحراك وديمومته عدة أبعاد،، لا مجال لحصرها هنا.
منها أن الحراك، في مجمله، هو وليد الإخفاق أو التلكؤ أو التباطؤ في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المرجوة من قبل الحكومات المتعاقبة، وليس الحكومة الحالية أو التي سبقتها فحسب.
عقود من الترهل وترحيل المشاكل والتخبط والعشوائية والوساطة والمحسوبية، وضعف العمل الاحترافي الكفؤ، تقف وراء حالة التبرم والتذمر والغضب التي نشهدها حالياً، والتي ترتكز إلى قضايا ملموسة محسوسة من قبل المواطن، تتمثل في ازياد نسب الفقر والبطالة وقلة فرص العمل المجزية من ناحية، وارتفاع الضرائب والأسعار وتآكل الرواتب والدّخول من ناحية أخرى، إضافة إلى اختلالات واضحة في توزيع عوائد التنمية وفي غياب الحس بالعدالة والمساواة.
بغض النظر عمن يخرج ويهتف في نهاية الأسبوع، وبغض النظر عن خلفياتهم ودوافعهم وشخوصهم، فإن القضايا التي يرتكزون إليها هي في الغالب الأعم (ولا نقول كلّها) هي قضايا حقيقية تهمّ جميع المواطنين.
أما البعد الثاني، فيتمثل في أن الحراك هو نتيجة طبيعية ليس لعدم الرضا عن أداء الحكومات فحسب، بل عن أداء قوى «المعارضة» كذلك، بكافة أقطابها وأطيافها وتجلياتها، ومنها الأحزاب والبرلمان والنقابات. وهذا بعد مهم لا بد من التوقف عنده، ولا بد للمعنيين به من مراجعة أنفسهم وأهدافهم وخططهم وعلاقتهم بالقواعد الشعبية التي أخذت تشعر بأن لا أحد يمثلها فاضطرت للخروج للشارع للتعبير عن نفسها.
أما بعد الثالث، فيتمثل في أن هذا الحراك هو حالة إيجابية لأنه يمثل ورقة ضاغطة على الحكومة والبرلمان والنقابات والأحزاب وكافة المعنيين بالملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الرئيسة. فلو خبا زخم الحراك أو تلاشى أو اختفى، لربما عادت الحكومة والقوى السياسية الفاعلة الأخرى على الساحة إلى المماطلة والتلكؤ والتباطؤ من جديد.
ومن هنا تكمن أهمية قبول الحراك كتطور جديد في الحالة الأردنية، وكسمة لافتة لا بد من الترحيب بها واستثمارها.
و»الاستثمار» هنا هو بيت القصيد، والفكرة التي نود التأكيد عليها في هذه المقالة.
فحتى يتحقق المرجو من الحراك، للحراكيين أنفسهم، وللمواطنين، وللحكومة والمعارضة والدولة، لا بد أولاً من الاستماع إلى مطالب الحراك المنطقية والمشروعة بآذن صاغية من ناحية، ومن أخذ هذه المطالب على محمل الجد، ثم القيام بدراستها دراسة جادة وتصنيفها وتبويبها ثم البدء بتنفيذها حسب سلم أولويات وحسب جدول زمني واضح، بالتعاون والتشارك مع ممثلي الحراك أنفسهم، والذين لا بد لهم عاجلاً أم آجلاً من اختيار من يتحدث باسمهم بكفاءة وموضوعية.
أما إذا لم يتم ذلك، فسيبقى الحراك يهتف في واد، والحكومة والأحزاب والنواب والنقابيون يغردون في وادٍ آخر، فيفقد الحراك معناه، ويفقد العمل السياسي أهميته، وتبقى – لا قدر الله – حالة الاستياء والتبرم والغضب والشلل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي على حالها، فيخسر الجميع.
وبعد، فإنّ ما ميّز ويُميّز الدولة الأردنية منذ نشوئها ولغاية الآن هو تسامحها وحضاريتها في التعامل مع قوى الاختلاف والاحتجاج والمعارضة، وقدرتها اللافتة على استيعابها واستثمارها لصالح المواطن وصالح الدولة والوطن.
وهذا ما يجب أن يتم إزاء الحراك الحاليّ.